نُشر في الأربعاء 25 مارس 2020 - 0:57
أكد خبراء صينيون عادوا مؤخرا من معركة مكافحة فيروس كورونا الجديد في مدينة ووهان بوسط الصين، أكدوا على أن الوقاية والاحتواء الفعالين لانتشار الفيروس خير من علاج المرض الناجم عنه حسب تجاربهم الواقعية، محذرين من أنه من المحتمل ظهور وضع خطير من جديد لتفشي الفيروس ما لم يتم إيلاء اهتمام كبير لاكتشاف واحتواء الحالات المصابة بالفيروس بدون أعراض ملحوظة، وذلك بعد إعلان البلاد التخلص من ذروة تفشى الوباء وتحسن الوضع.
وقال دو بين رئيس الاتحاد الصيني لأخصائيي طب الحالات الحرجة وزملاؤه من وفد بكين الطبي لمساعدة مقاطعة هوبي وحاضرتها مدينة ووهان، في مؤتمر صحفي عقده مكتب الاعلام التابع لمجلس الدولة مؤخرا لتبادل تجاربهم المكتسبة خلال أعمالهم في المقاطعة منذ أوائل الشهر الماضي، قالوا باللغة الانجليزية للأخصائيين الطبيين الأجانب في الدول المنكوبة بجائحة مرض الالتهاب الرئوي الناجم من فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، إنه يتعين وضع الوقاية من الفيروس واحتوائه بشكل فعال في المقام الأول.
كما أكد اطباء يشتغلون في مستشفى جينيينتان، أحد المستشفيات الرئيسية لعلاج مرضى كوفيد-19 في ووهان، أكدوا لمراسل وكالة أنباء شينخوا على أنه من الأهمية بمكان إيلاء اهتمام بالغ لمشكلة حالات الإصابة بالفيروس التي لا تظهر عليها أي أعراض ملحوظة في المجتمع، إضافة إلى مشكلة “الحالات الأربع”.
فما هو الفرق بين الحالات المصابة بدون أعراض وبين “الحالات الأربع” التي حددتها الحكومة كمحور أعمالها للوقاية من الفيروس حسب تجارب الصين في هذه المعركة ضد الوباء؟
لنعد إلى أواخر شهر يناير الماضي، حين بدأ تفشى وباء كوفيد-19 في مدينة ووهان بشكل خاص وفي عموم البلاد بشكل عام، حيث اكتشف فريق لتحقيقات الطوارئ الطبية أرسلته الحكومة المركزية إلى ووهان، أن أحد أهم خصائص كوفيد-19 هو أن من 80 بالمائة إلى 85 في المائة من المرضى كانوا يعانون من أعراض مرضية خفيفة نسبيا، بينما تمكن بعضهم من الشفاء بشكل تلقائي، إلا أن المشكلة أنهم كانوا قادرين على نقل العدوى للآخرين.
ونظرا لذلك، فإنه منذ 2 فبراير الماضي بدأت ووهان تنفيذ سياسة فريدة صارمة للغاية لكبح مشكلة انتقال الفيروس بين الجماهير. وحسب متطلبات الحكومة المركزية، تتمحور السياسة حول منع وسائل انتشار الفيروس من خلال السيطرة على مصادر العدوى المتمثلة في “الحالات الأربع”: المصابون المؤكدون بالفيروس، والمشتبه بإصابتهم بالفيروس، والمصابون بالحمى، والأشخاص المخالطون للأنواع الثلاثة المذكورة.
وتنقسم الاجراءات والتدابير المختلفة لمعالجة الحالات الأربع على النحو التالي:
المصابون بالفيروس: بالنسبة للذين تظهر عليه أعراض خطيرة حرجة يتم نقلهم فورا إلى المستشفيات المتخصصة التقليدية أو مستشفيين مخصصين حديثي البناء وهما مستشفي هوهشنشان (جبل اله النار) ومستشفى ليهشنشان (جبل اله الرعد)؛ أما الذين يعانون من أعراض خفيفة نسبيا، فيتم نقلهم فورا إلى مستشفيات “فانغتسانغ” المتخصصة المؤقتة الحديثة الإنشاء (وهي مستشفيات مؤقتة تم بناؤها داخل صالات رياضية ومراكز للمعارض وغيرها من الأبنية العامة وأطلق عليها الصينيون اسم مستشفيات “فانغتسانغ”).
المشتبه بإصابتهم بالفيروس: يتم نقلهم إلى المستشفيات المتخصصة للعلاج والملاحظة الطبية.
المرضى المصابون بالحمى: يتم نقلهم فورا إلى عيادات الحمى التابعة للمستشفيات المتخصصة للقيام بالتشخيص والعلاج.
المخالطون للمصابين بالفيروس والحمى: يتم نقلهم فورا إلى أماكن معزولة معينة داخل المدارس أو الفنادق في عموم المدينة للخضوع للحجر الصحي.
ويعتبر الخبراء الطبيون والمواطنون في ووهان أن هذه التدابير الهامة قد لعبت “دورا جوهريا ” في معركة كبح كورونا الجديد.
ولتنفيذ هذه الاجراءات، قام موظفو المجتمعات السكنية والمسؤولون المدنيون ورجال الشرطة ومتطوعون في المدينة بعمل مسح شامل لجميع الأسر في المدينة واكتشفوا مئات الأشخاص المندرجين ضمن هذه الحالات الأربع، وأبلغوا عن أوضاعهم فورا إلى الهيئات المعنية للتسجيل، ثم نقلوهم إلى أماكن مختلفة حسب التدابير.
ومن ناحية أخرى، وبمساعدات من الحكومة المركزية، وفرت المدينة ما يكفي من الأسرة الطيبة في المستشفيات وما يكفي من الغرف المعزولة بشكل جيد من أجل قبول جميع المرضى، وضمان عدم ترك أي مريض في المجتمع بدون رعاية.
وعلاوة على ذلك، انشأت المدينة أيضا عددا من “محطات الشفاء” المؤقتة في فنادق ومدارس استوعبت أكثر من 35000 سرير لإبقاء المتعافين في حجر صحي لمدة 14 يوما إضافيا، نظرا لظهور حالات قليلة تعافت ثم أصيبت مرة ثانية بالفيروس لأسباب غير معلومة.
وبفضل هذه الاجراءات والسياسة الصارمة، حققت المدينة زيادة صفرية في حالات الاصابة المؤكدة بالفيروس لخمسة أيام متتالية منذ 18 مارس، غير أن الأطباء في المستشفيات المتخصصة مثل مستشفى جينيينتان اكتشفوا أن هناك عددا من حالات الإصابة بالفيروس لا تظهر عليها أي أعراض ملحوظة، ولديها أيضا مخاطر عدوى للآخرين.
ونظرا لأن هذه الحالات تكون دائما خارج إطار “الحالات الأربع”، فإنهم يسمونها مشكلة “الحالات بدون أعراض”، ويدعون إلى اهتمام كبير بهذه المشكلة وتنفيذ اجراءات صارمة لمواجهتها حسب القواعد القانونية والعلمية المتبعة بعد أن أثبتت التجارب الواقعية فعالية هذه القواعد.
فما هي القواعد القانونية والعلمية لهذه السياسات أو التدابير الصارمة؟
تأتي القواعد القانونية لمواجهة تلك الحالات من “قانون جمهورية الصين الشعبية للوقاية من الأمراض المعدية وعلاجها” و”لوائح معالجة طوارئ الصحة العامة”، وتتبلور فيها خبرات الصين القيمة لمكافحة الأمراض المعدية الشديدة مثل سارس.
أما القواعد العلمية فتأتي من تجارب العاملين الطبيين والموظفين اليومية التي تتركز في أحدث الإصدارات (السادس) للبرنامج الوطني الصيني للوقاية والسيطرة على مرض الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا الجديد (كوفيد – 19)، وتم نشره على الموقع الالكتروني للجنة الصحة الوطنية.
وعلى سبيل المثال، حدد البرنامج أنه يجب اكتشاف المصابين بالفيروس بدون أعراض بشكل رئيسي من خلال التحقيق في حدوث حالات تفش وسط أعداد كبيرة، والتحقيقات الرقابية لمصادر العدوى وغيرها.
وأضاف أنه من الضروري تجميع الأشخاص المصابين بالفيروس بدون أعراض في اماكن معينة لوضعهم تحت الحجر الصحي لمدة 14 يوما، ولا يمكن السماح بخروجهم من الحجر الصحي إلا بعد الحصول على نتيجتين سلبيتين لاختباري فصح متتاليين للحمض النووي، على أن تكون الفترة بينهما أكثر من 24 ساعة.
وبالنسبة إلى الحالات المشتبه بها، حدد البرنامج أنه يجب علاجها في المستشفيات المتخصصة مثل الحالات المؤكدة، ولكن يجب وضع كل حالة مشتبه بها في غرفة واحدة معزولة عن الآخرين، ولا يمكن اعتبارها غير مشتبه بإصابتها بالفيروس إلا بعد الحصول على نتيجتين متتاليتين لاختبارين متتاليتين للحمض النووي على أن تكون الفترة بينهما أكثر من 24 ساعة، بالاضافة إلى نتيجتين سلبيتين لاختبار فحص الاجسام المضادة (IgM وIgG) الخاص بالفيروس.