الأرغواي 2018 Uruguay
سأتحدث عن حادثة سقوط طائرة الرياضيين و كذلك عن موقفي مع يهودي و عن أشياء أخرى.

الرحلة من بوينس أيرس الارجنتينية للأرغواي و عاصمتها مونت فيديو تستغرق ساعتين و نصف بالباخرة. إنها أصغر بلد بأميركا الجنوبية لكنها بحجم نصف العراق.
تعتبر مونت فيديو مدينة شواطئ حيث أن معظم المشاهير يجدون فيها شاطئهم المفضل. الشاطئ يمتد على طول المدينة و كأنها الأسكندرية. لا تختلف كثيرا عن بوينس آيرس في طبيعة السكان و الأبنية و الطعام لكنها أصغر حجما و أقل رقيا. تعتبر من ضمن الإقليم المناخي نفسه و يوما ما كانت تابعة للأرجنتين. و لهم نفس جنون كرة القدم.

أعجبني هناك سوق شعبي و طريقة بيعه الطعام و المشويات. كذلك متحف أقنعة السكان الأصليين و المنقرضين من الأنديز. بالرغم من شهرة كرنفال ريو دي جانيرو لكن كرنفال مونت فيديو هو الأكبر و الأفضل. هنالك متحف كرنفال رائع.

هناك متحف الأنديز وهو متحف متخصص لحدث تأريخي واحد. وهو نادرا ما يوجد هكذا متاحف. متحف لشخص واحد مقبولة لكن متحف لحدث فهذه أول مرة أراها. ففي سنة 1972 طائرة تحمل فريق كرة ركبي و ركاب آخرون أقلعت من أرغواي لشيلي لكنها اضطرت للهبوط وقتيا في ماندوزا الأرجنتينية ولكن رخصة الهبوط كانت ساعتين فقط مما توجب على الطيار المغادرة. الطيار جازف و غادر لتشيلي بدلا من الرجوع وهو الخطأ الفادح الذي كلفه حياته و حياة من لم ينجو بمعجزة و هم فقط إثنان.
ارتطمت الطائرة بقمة جبل مغطاة بثلوج و كان الطيار يحسبها غيمة. في مكان منجمد و الانهيارات الجليدية تحدث كل ساعة احتمال العيش مستحيل لأي كائن حي ماعدا البكتيريا. لكن المعجزة حصلت و نجا إثنين منهم لأنهم استخدموا عوازل الطائرة تحت ملابسهم و استخدموها كبطانيات و كذلك كان طعامهم هو جثث زملائهم. الطائرة كانت تقل فريق ركبي برغوايي.
استغرقت رحلتهم 72 يوما أي ثلاثة أشهر مشيا على الأقدام بين انهيارات جليدية محتملة و بيئة لا يوجد فيها أي طعام. و درجة الحرارة 30 تحت الصفر وهم لم يروا بحياتهم ثلج. لذا كان يجب حمل الجثث معهم كطعام و انقاض الطائرة لحرقها مع وقود الطائرة. مهمة مستحيلة حتى في الخيال ولكن الصراع من أجل البقاء و قوتهم العضلية مكنتهم من ذلك. أحد الناجين مات قبل سنتين عن عمر 91 سنة و الآخر مازال على قيد الحياة. أكبر صدمة كانت هو أن ذوي اللاعبين عرفوا أن صديق إبنهم كان قد أكله.

البرغواي تعتبر تعاطي المرغوانا قانوني و يمكن شراءها من أي محل. لذا فالكل فرح هناك.

قابلت شخص يهودي في الأربعينات. بدأ يتحدث معي بطريقة إستفزازية بمجرد أنه عرف أنني مسلم. تحدث عن إزعاج المسلمين في المطارات و الإرهاب و ما إلى ذلك. و أخذ يتحدث عن ذكاء اليهود و ضرب نفسه كمثال. سألته هل يعرف أنه قبل أن يكون يهودي كان شاماني من الخزر و أصبح أجداده يهود ليحصلوا على حماية المسلمين بإعتبارهم أهل الكتاب. قال متنرفزا أن الموضوع لا يهمه. قلت له أحتاج لفهم أن اليهود عرق واحد نقي و ذكي مع أنه يوجد يهود أفارقة سلاشا و فلاشا و ساميين و قوقازيين. قال غير لي الموضوع. قلت له مبتسما إستخدم ذكائك لتغيير الموضوع مثلما أنا قد فعلت. الخبيث قال لي أن المسلمون خاسرون الآن هل أشعر بذلك. فعلا إستفزني.
قلت له تخيل نفسك جالس بغرفة الصالة بهدود مسترخيا و يوجد بالصالة بعوض لا تهتم لأمرهم أو عددهم ولا حتى تشعر بوجودهم. ثم تأتيك بعوضة أو إثنين لتزعجك. ستكتفي بتحريك يدك أو جسمك لابعادهم في كل مرة و تبقى مسترخيا. ولو قرصتك بعوضة فإنك لن تهتم لها ولن تحاول معاقبتها و ستتقبل الأمر و ستأتي غيرها لتقرصك ولن تهتم لجعلها تدفع الثمن. لكن عندما سيصل الأمر الى مرحلة لا تطاق ستغضب و تستخدم مبيد حشري سيقتل كل البعوض حتى التي لم تقرصك أو حتى الذي لم تشعر أصلا بوجودها في صالتك. إنه سوء تقدير من البعوض لحجم البشر.
ألحمد لله أنه فهمني جيدا و أصبح منكسرا و لطيفا جدا و كأنه طفل عاقبته المعلمة.
اليهودي عنده عقدة المضطهد لذلك لا يرتاح ما لم يشاغب حالته حالة كل أقلية. لكن لحظة شعوره أن الذي أمامه أكثرية فإنه يتقهقر و يصبح مطيع و مسترضي للأكثرية.
خرجنا و تمشينا كثيرا و قد حدثني عن أنه بدأ يعيش بعد أن ماتت والدته و هو بعمر 41 سنة. والدته كانت دكتاتور عائلي لا تسمح له حتى بالخروج من المنزل. وقال أنه لم يعمل بحياته قبل موت والدته. إستمتعت برفقته كثيرا ونحن نتمشى لحد الساعة الثالثة صباحا في مدينة لا تنام أبدا.
في الأرغواي مثل الأرجنتين يشربون المته في كل مكان و زمان. أعتقد أن أصل المته سوري أو جاءت لسوريا من أميركا الجنوبية. لم أعرف المتة قبل سفري للأرجنتين مع أن الكل هنا يعرفها.
فعليا لا يوجد مكان لا يوجد فيه متة في الأوروغواي و الأرجنتين و برغواي و شيلي و البرازيل. هذه صور لأواني مته من البرازيل والبرغواي و الأورغواي. الصورة في بيتي.
طعم المتة لم يعجبني لكن كل شيئ تعود لا أكثر. طعم الشايي الأخضر و الكولا مقرفين أيضا.
مونت فيديو لها شعور و أجواء مختلفة عن الكثير من المدن. لا أعرف لماذا كنت أحس نفسي في بلغراد أو بيروت.